حفظت الشريعة الإسلامية والأنظمة من بعدها للإنسان حقوقه في كل أحواله ومن ذلك إذا كان متهَماً بجريمة ما، فإذا وجهت إليه تهمة بارتكاب جريمة من قتل أو ضرب أو سب أو شتم وغير ذلك من جرائم، فإن جميع هذه التهم – حتى وإن كانت احتمالية ثبوتها في حقه كبيرة- إلا أنها لا تُعْدم حقوقه بحيث يجوز أن نفعل به ما نشاء ونقول له ما نشاء ونعامله كيف نشاء؛ بل إن للمتهم حقوق كفلها له النظام السعودي وبغض النظر عما أسند إليه من تهم، ومن المبادئ الأساسية المشهورة (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الفقرة الأولى من المادة الحادية عشرة منه على أن “كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وفِّرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه” وأكد ذلك نظام الإجراءات الجزائية السعودي في مادته الثالثة “لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص، إلا بعد ثبوت إدانته بأمر محظور شرعًا أو نظامًا بعد محاكمة تُجْرى وفقًا للمقتضى الشرعي”؛ لذلك نجد جميع القوانين المقارنة قد تضمنت في طياتها حقوقاً للمتهم، فلا يجوز إهانته وتعذيبه وتعريضه لوسائل الإكراه ليعترف ويقر بالجرم الذي نُسِب إليه؛ بل يجب أن يعامل معاملة كريمة تحفظ حقوقه وعلى وفق الإجراءات النظامية المعمول بها.
ما يتعرض له المتهم ليس مقصوراً على إجراء واحد كالقبض مثلا، بل يمر المتهم بعدة مراحل، وليس بالضرورة أن يصل إلى جميعها، بل قد يُوقف ثم يُفرج عنه بعد مدة يسيرة جدا، وقد لا تكون هناك حاجة للإيقاف ابتداءً كما لو أبلغه المحقق بالحضور فامتثل لذلك، لكن سنشير في هذه المقالة إلى حقوق المتهم في جميع ما يمر به من مراحل وهي أربعة تتمثل في الآتي:
– القبض.
– التحقيق.
– التفتيش.
– المحاكمة.
وسنعرض لحقوق المتهم في كل مرحلة على حدة:
أثناء القبض:
لا يجوز القبض على المتهم إلا في الحالات التي نص عليها النظام، كأن يصدر أمر بالقبض عليه، أو يكون في حالة من حالات التلبس، فإذا قُبِض عليه في غير ما نُصَّ عليه نظاماً؛ فيعتبر إجراء القبض باطلاً.
ويجب أن يوضع المقبوض عليه في الأماكن التي خصصت للتوقيف، فلا يجوز أن يوضع في السجون، أو في أماكن غير مناسبة له.
وليس لرجل الضبط الجنائي في حالة التلبس القبض على المتهم الحاضر إلا بوجود دلائل كافية على اتهامه، وعليه أن يحرر محضراً بذلك ويبلغ النيابة العامة حالاً، ولا يجوز إبقائه موقوفاً أكثر من أربع وعشرين ساعة إلا بأمر كتابيٍ من المحقق.
ومن أهم حقوق المتهم عند القبض عليه أو إيقافه ألا يُهان ولا يُؤذى جسدياً ولا معنوياً، ويتعين إفهامه بأسباب توقيفه وإتاحة الفرصة أمامه ليتصل بمن يشاء، وإعلامه بحقه بالاستعانة بوكيل أو محامٍ.
أثناء التحقيق:
قد يفرج عن المتهم قبل أن يصل إلى مرحلة التحقيق، ولكن إذا جِيء به إلى النيابة العامة للتحقيق معه، فإن من أهم حقوقه أن يتاح له الاستعانة بوكيل أو محامٍ يحضر معه ويسانده، وليس للمحقق أن يمنع المتهم ومحاميه من حضور إجراءات التحقيق إلا استثناءً إذا اقتضت الضرورة، ومع ذلك فيلتزم أن يطلعهم على ما تم في غيابهم فيما بعد، ويُحظر على المحقق أن يعزل المتهم عن محاميه، بل يجب أن يكونا أثناء التحقيق معاً.
يمتنع المحقق عن توجيه أدلة الاتهام ومناقشة المتهم بشأنها وهو في حال تؤثر على إرادته في إبداء أقواله، كما لو قام بمنعه من النوم لمدة طويلة فيصاب بإرهاق شديد، مما يضطره إلى الاعتراف أثناء التحقيق ليتخلص من هذا العذاب، ويحظر على المحقق أن يُحلِّف المتهم أو يكرهه على الإقرار.
أثناء التفتيش:
يشمل إجراء التفتيش المساكن والأشخاص والمكاتب والمراكب، وشدد المنظم على أن لجميع هذه الأشياء حرمة يجب صيانتها، لذلك أحاط نظام الإجراءات الجزائية هذا الإجراء بضمانات قوية تكفل حماية حقوق المتهمين، ومساكنهم، ومكاتبهم، ومراكبهم.
فمن حق المتهم ألا يدخل رجل الضبط الجنائي مسكنه ولا يفتشه إلا في الأحوال المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية، كأن يكون تنفيذ الإجراء في وقتٍ من نهار، ويتعين قبل ذلك صدور أمر من النيابة العامة أي من رئيس فرع النيابة في المنطقة أو من يفوضه، أما فيما يتعلق بتفتيش ما سوى المساكن فيكفي لتفتيشها إذْن من المحقق، علماً بأن الأمر أو الإذْن – بحسب الحال – يشترط فيهما الكتابة والتسبيب.
الأمر أو الإذن بتفتيش مسكن المتهم لا يشكون مطلقاً من حيث المدة بحيث يجوز لرجل الضبط إجراءه في أي وقت شاء؛ بل إنه محدد بمدة لا تزيد على سبعة أيام من تاريخ صدوره، فلو أجراه بعد مضي هذه المدة يكون إجراء التفتيش والحالة هذه باطلاً. وعلى رجل الضبط عند تفتيش مسكن المتهم أن يحيطه علماً بشخصيته وبما جاء لأجله وأن يطلعه على أمر التفتيش، ويلزم حضور المتهم أو من ينيبه أو غيرهما ممن نص عليهم النظام.
ومن حقوق المتهم بالنسبة لتفتيش الأشخاص، إذا كان المتهم امرأة فلا يجوز لرجل الضبط أن يفتشها، بل عليه أن يندب امرأة لتنفيذ هذه المهمة.
أثناء المحاكمة:
للمتهم أثناء مرحلة المحاكمة أن يستعين بمحامٍ يدافع عنه، وتضمن له الدولة محامياً على نفقتها إذا كانت قدرته المالية لا تسعفه للقيام بذلك. ومن حقوق المتهم أيضاً أن يحضر جلسات المحاكمة دون قيود أو أغلال، وليس للدائرة القضائية أن تستبعده من الجلسة إلا إذا ما بدر منه ما يستدعي ذلك، على أن تلتزم المحكمة إذا زال سبب إبعاده أن تمكنه من الحضور وتبلغه بما تم في غيابه. وأخيراً إذا صدر حكم المحكمة بإدانة المتهم أو عدم إدانته فلا يجوز تحريك ذات الدعوى مرة أخرى تجاه المتهم وفي ذات الوقائع.